سورة الفجر - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفجر)


        


{وَالْفَجْرِ (1)}
{والفجر} أقسم سبحانه بالفجر كما أقسم عز وجل بالصبح في قوله تعالى: {والصبح إذا تنفس} [التكوير: 18] فالمراد به الفجر المعروف كما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وابن الزبير وغيرهم رضي الله تعالى عنهم وقيل المراد عموده وضوءه الممتد واصله شق الشيء شقًا واسعًا وسمى الصبح فجرًا لكونه فاجر الليل وهو كاذب لا يتعلق به حكم الصوم والصلاة وصادق به يتعلق حكمهما وقد تكلموا في سبب كل بما يطول وتقدم بعض منه ولعل المراد به هنا الصادق فهو أحرى بالقسم به والمراد عند كثير جنس الفجر لا فجر يوم مخصوص وعن ابن عباس ومجاهد فجر يوم النحر وعن عكرمة فجر يوم الجمعة وعن الضحاك فجر ذي الحجة وعن مقاتل فجر ليلة جمع وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب عن ابن عباس أنه قال هو فجر المحرم فجر السنة وروي نحوه عن قتادة وعن الحبر أيضًا أنه النهار كله وأخرج ابن جرير عنه أيضًا أنه قال يعني صلاة الفجر وروي نحوه عن زيد بن أسلم فهو إما على تقدير مضاف أو على إطلاقه على الصلاة مجازًا وهو شائع وقيل المراد فجر العيون من الصخور وغيرها.


{وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)}
{وَلَيالٍ عَشْرٍ} هن العشر الأول من الأضحى كما أخرجه الحاكم وصححه وجماعة على ابن عباس وروي عن ابن الزبير ومسروق ومجاهد وقتادة وعكرمة وغيرهم وأخرج ذلك أحمد والنسائي والحاكم وصححه والبزار وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن جابر يرفعه ولها من الفضل ما لها وقد أخرج أحمد والبخاري عن ابن عباس مرفوعًا ما من أيام فيهن العمل أحب إلى الله عز وجل وأفضل من أيام العشر قيل يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل جاهد في سبيل الله بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنهن العشر الأواخر من رمضان وروي أيضًا عن الضحاك بل زعم التبريزي الاتفاق على أنهن هذه العشر وأنه لم يخالف فيه أحد واستدل له بعضهم بالحديث المتفق على صحته قالت عائشة رضي الله تعالى عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر تعني العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله وتعقبه بعضهم بأن ذلك محتمل لأن يحظى عليه الصلاة والسلام بليلة القدر لأنها فيها لا لكونها العشر المرادة هنا وعن ابن جريج أنهن العشر الأول من رمضان وعن يمان وجماعة أنهن العشر الأول من المحرم وفيها يوم عاشوراء وقد ورد في فضله ما ورد أخرج الشيخان وغيرهما عن ابن عباس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال عليه الصلاة والسلام ما هذا اليوم الذي تصومونه قالوا هذا يوم عظيم أنجى الله تعالى فيه موسى وأغرق آل فرعون فيه فصامه موسى عليه السلام شكرًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق وسى منكم فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه وصح في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائمًا فليتم يومه ومن كان أصبح مفطرًا فليصم بقية يومه فكان الصحابة بعد ذلك يصومونه ويصومونه صبيانهم الصغار ويذهبون بهم إلى المسجد ويجعلون لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطوه إياها حتى يكون الإفطار وأخرج أحمد وغيره عن الحبر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يومًا وبعده يومًا» وجاء في الأمر بالتوسعة فيه على العيال عدة أحاديث ضعيفة لكن قال البيهقي: هي وإن كانت ضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أحدث قوة وأيامًا كان فتنكيرها للتفخيم وقيل للتبعيض لأنها بعض ليالي السنة أو الشهر والتفخيم أولى قيل ولولا قصد ما ذكر كان الظاهر تعريفها كأخواتها لأنها ليال معهودة معينة وقدر بعضهم على إرادة صلاة الفجر فيما مر مضافًا هنا أي وعبادة ليال ويقال نحوه فيما بعد على بعض الأقوال فيه وليس بلازم ولا أثر فيه وقرأ ابن عباس بالإضافة فضبطه بعضهم وليال عشر بلام دون ياء وبعضهم وليالي عشر بالياء وهو القياس والمراد وليالي أيام عشر فحذف الموصوف وهو المعدود وفي مثل ذلك يجوز التاء وتركها في العدد ومنه واتبعه بست من شوال وما حكاه الكسائي صمنا من الشهر خمسًا والمرجح للترك هاهنا وقوعه فاصلة وجوز أن تكون الإضافة بيانية وهو خلاف الظاهر.


{وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)}
{والشفع والوتر} هما على ما في حديث جابر المرفوع الذي أشرنا إليه فيما تقدم يوم النحر ويوم عرفة وقال الطيبي روينا عن الإمام أحمد والترمذي عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر فقال الصلاة بعضها شفع وبعضها وترثم قال هذا هو التفسير الذي لا محيد عنه انتهى وقد رواه عن عمران أيضًا عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي حاتم وصححه لكن في البحر أن حديث جابر أصح إسنادًا من حديث عمران بن حصين ووراء ذلك أقوال كثيرة فأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه قال: اقسم ربنا بالعدد كله منه الشفع ومنه الوتر وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد أنه قال: الخلق كله شفع ووتر فأقسم سبحانه بخلقه وأخرج ابن المنذر وجماعة عنه أنه قال الله تعالى الوتر وخلقه سبحانه الشفع الذكر والأنثى وروي نحوه عن أبي صالح ومسروق وقرآ {ومن كل شيء خلقنا زوجين} [الذاريات: 49] وقيل المراد شفع تلك الليالي ووترها وقيل الشفع أيام عاد والوتر لياليها وقيل الشفع أبواب الجنة والوتر أبواب النار وقيل غير ذلك وقد ذكر في كتاب التحرير والتحبير مما قيل فيهما ستًا وثلاثين قولًا وفي الكشاف قد أكثروا في الشفع والوتر حتى كادوا يستوعبون أجناس ما يقعان فيه وذلك قليل الطائل جدير بالتلهي عنه وقال بعض الأفاضل لا اشعار للفظ الشفع والوتر بتخصيص شيء مما ذكروه وتعيينه بل هو إنما يدل على معنى كلي متناول لذلك ولعل من فسرهما بما فسرهما لم يدع الانحصار فيما فسر به بل أفرد بالذكر من أنواع مدلولهما ما رآه أظهر دلالة على التوحيد أو مدخلًا في الدين أو مناسبة لما قبل أو لما بعد أو أكثر منفعة موجبة للشكر أو نحو ذلك من النكات وإذا ثبت من الشارع عليه الصلاة والسلام تفسيرهما ببعض الوجوه فالظاهر أنه ليس مبنيًا على تخصيص المدلول بل وارد على طريق التمثيل بما رأى في تخصيصه بالذكر فائدة معتدًا بها فحينئذٍ يجوز للمفسر أن يحمل اللفظ على بعض آخر من محتملاته لفائدة أخرى انتهى وهو ميل إلى أن أل فيهما للجنس لا للعهد والظاهر أن ما تقدم من الحديثين من باب القطع بالتعيين دون التمثيل لكن يشكل أمر التوفيق بينهما حينئذٍ وإذا صح ما قال في البحر كان المعول عليه حديث جابر رضي الله تعالى عنه والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، وقرأ حمزة والكسائي والأغر عن ابن عباس وأبو رجاء وابن وثاب وقتادة وطلحة والأعمش والحسن بخلاف عنه والوتر بكسر الواو وهي لغة تميم والجمهور على فتحها وهي لغة قريش وهما لغتان كالحبر والحبر عنى العالم على ما قال صاحب المطلع في الوتر المقابل للشفع وأما في الوتر عنى الترة أي الحقد فالكسر هو المسموع وحده والأصمعي حكى فيه أيضًا اللغتين وقرأ يونس عن أبي عمرو بفتح الواو وكسر التاء وهو إما لغة أو نقل حركة الواو في الوقف لما قبلها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8